martes, 9 de agosto de 2011

الطائفية و تهافت اليسار البردعاوي


الطائفية و تهافت اليسار البردعاوي

تكفي المتابعة الدؤوبة لإكتشاف أن التيار الأسرع و الأكثر إثارة للصخب في تأييده للدكتور البرادعي في معركته، هو ما تبقي من اليسار المصري، و معذرة لإستخدام مصطلح "التبعية"، تبعية هذا اليسار لهذه الشخصية و هذه المعركة دون شروط. الموضوع لا يحتاج إلي جهد خاص أو أن تكون من المتخصصين في الشؤون السياسية، فمن الكافي تأمل صفحات الإنترنت، الجرائد و قراءة أسماء المجتمعين بالبرادعي.

المقصود هنا باليسار هو اليسار الماركسي أو الإشتراكي، و من يلتفون حوله من مثقفين ذوى توجه يساري و تقدمي. بالطبع ليس هناك ضرورة لسياق الشواهد التي تؤكد علي أن هذا التيار هو نفسه الأكثر هامشية و ضعفا في المجتمع المصري الآن. و أنه يأتي في ذيل قائمة تضم التيار الإسلامي (المنافس الأساسي و المتاح لنظام مبارك)، الليبراليين و الوفديين (المستندين إلي تراثهم التاريخي)، و أخيرا التيار القومي العربي، الذي برغم ضعفه التنظيمي، و الذي لا يختلف كثيرا عن حال اليسار، إلا أنه و علي المستوي الجماهيري لديه وجودا أكبر، بسبب بقاء زعيمهم التاريخي جمال عبد الناصر حاضرا في أذهان ووجدان قطاع هام من الشعب المصري. بينما اليسار يرتبط في أذهان القطاع الأوسع من المجتمع المصري بانهيار المنظومة الإشتراكية، و فساد و تحلل النماذج المتبقية ككوبا أو كوريا.

هذا التهافت اليساري البردعاوي، هو الأقرب تشبيها للحالة التي خبرناها جميعا وقت المراهقة، و التي تتواجد في كل المدارس الإعدادية و الثانوية، حيث يكون التلاميذ الأضعف جسديا و نفسيا، هم عادة الأسبق في محاولة صداقة التلاميذ ذوي القوة البدنية. الدافع واضح، و هو الرغبة في الحماية و الإحساس بالأهمية و عدم العزلة، حتي و أن أدي الأمر لتكون تابعا أو حتي "صبيا" لزميلك الأقوي.

أعتذر لكل الأصدقاء من كل المجموعات اليسارية المؤيدة للبرادعي، و المشتبكة مع معركته علي هذا التشبيه. إلا أن المثير للتساؤل هو كيفية إختفاء نقطة جوهرية، طالما ما شكلت نواة أساسية في مناقشات اليسار خلال قرن كامل من تاريخه، و هي الخاصة بأنه إذا كنت ضعيفا و مهمشا فعليك أن تقوم بتأسيس قواعدك و مرتكزاتك، و العمل المتأني و البعيد عن الأضواء وصولا لتأسيس حركة فاعلة، لها القدرة علي التحالف مع قوي أخري، من أجل فرض هذا التغيير الذي يتحدث عنه الجميع الآن. هذه المفصلية اليسارية يبدو إنها غابت تماما عن التيار البردعاوي، في ظل سيادة حالة الضعف و الهشاشة و التهميش البالغة الحاصلة الآن.

منذ عدة أيام نشر بيان بأسم "يسار مؤيد للبرادعي"، في هذا البيان تمت الإشارة لمحتوي إجتماعي و تقدمي لحركة البرادعي، و هو ما يبرر - وفقا للبيان - بالإضافة لأسباب أخري، دعم اليسار للبرادعي و المشاركة في معركته. بعدها بساعات قليلة و من خلال هذه النافذة المسماة "الشات"، أخبرني أحد الأصدقاء بأنه شارك في صياغة البيان. فطلبت منه أن يرسل لي ما قاله البرادعي حول مسألة التغيير الإجتماعي و العدالة التي يشيرون إليها، فكان رده هو التالي: (هو في الحقيقة مقالش حاجة، هو بما إن الكلام مش بفلوس، هو قال في التلفزيون أنه معجب بإشتراكية الدول الإسكندنافية). هنا تأكد لي أن عدم علمي بأي توجه إجتماعي و تقدمي للبرادعي، كما يشير قطاع من اليسار، ليس بسبب جهلي ووجودي بعيدا عن مصر آلاف الكيلومترات. و أن المشكلة تكمن في منطقة أخري، هي رغبة هذا اليسار الضعيف للحماية و الحركة، و إلي أي نوع من التواجد، حتي و إن إنطلق من أوهام. و عدم الرغبة في طرح التساؤلات، و إن كانت بسيطة من نوع مدي إشتراكية الدول الإسكندنافية، أو عن الإختلافات ما بين واقع مصر و تاريخها، عن الدول المشار إليها. و إن كان الثمن هو إنتخاب البرادعي مسبقا كمرشح التغيير و الديمقراطية، دون سؤاله عن تاريخه و برنامجه.

الصورة إتضحت لي أكثر حين علقت إحداهن قائلة: (البرادعي عمل حالة لطيفة جدا و كلها حركية فلازم نتفاعل معاها يا زميل).

هذه التهيؤات – ولا أقول الإنتهازية - هي التي تدفع القوي المؤيدة للبرادعي لإستخدام إشارات طائفية علي أمل إنها تفيد "المعركة"، و الرجاء مراجعة الصفحة الأولي من جريدة الشروق ليوم ٢٩ مارس. حيث يتم وصف النشطاء شكري عازر، أمين إسكندر، و جورج إسحق بأنهم قيادات قبطية. مع عدم الإشارة لتياراتهم، فلم يتم وصف الأول بالمناضل الشيوعي، أو الثاني بالقيادي الناصري، أو الثالث بصفته في حركة كفاية. و لن أتساءل هنا مثلا عن أخر مرة قام فيها الدكتور شكري عازر بالصلاة في الكنيسة، حتي يقوم بدعوة البرادعي للكتدرائية من أجل قداس عيد الميلاد. فهل ستأتي ساعة يتم وصف الكاتب علاء الأسواني بالقيادة المسلمة أو الكاتب المسلم؟ فيما يخصني، و لإضفاء بعض الفكاهة لما هو حاصل، فأنني أعلن بأنني سوف أحل دم من يصفني في يوم من الأيام بالناشط القبطي. فهل كان جورج حاوي، قائد الحزب الشيوعي اللبناني ليقبل بوصفه قائد مسيحي؟ رغم وجوده في سياق نزاع طائفي. أو كان يوسف درويش – أحد مؤسسي و قادة الحركة الشيوعية المصرية حتي وفاته عام ٢٠٠٦ – ليقبل بوصفه بالقائد اليهودي؟

سابقا، زمن يوسف درويش و جورج حاوي، كانت القيادات اليسارية و الشيوعية تنتقد ما كان يطلق عليه "لعبة الطواقي" بمعني تحول الناشط اليساري إلي ماكينة تتحرك في أجواء شديدة الإختلاف، نفس الشخص اليساري موجود في الجامعة، الإجتماع العمالي، و منظمة حقوق الإنسان. و هو في كل المرات يحتفظ بهويته كيساري إلا أن يغير "الطاقية" وفقا للمكان المتواجد به، فمرة يلبس طاقية اليساري الطالب، المرة الثانية هو اليساري الملتحم بالحركة العمالية، و الثالثة هو اليساري المندمج مع حركة حقوق الإنسان. الهوية الأساسية لم تكن تتغير وقتها، و هو ما يثير الدهشة الأن من تغيير الهوية السياسية بأخري، و هي الدين الموجود بالبطاقة، بغض النظر عن إيمان الشخص بهذا الدين من عدمه. أليسوا علمانيون علي أقل تقدير؟

خلال الثمانينات و التسعينات حيث كانت متاحة بقايا التنظيمات الشيوعية السرية، ضمت اللائحة الداخلية لبعض هذه التنظيمات إشتراط بأن يقوم الشيوعيين الراغبين في الإنضمام للحزب أو التنظيم، و كانوا من ضمن الحركة الشيوعية الثانية، و التي إنتهت عام ١٩٦٥، بأن ينتقدوا بوضوح جريمة حل الحزب الشيوعي المصري، التي تمت نفس العام المشار إليه، حتي يتم قبول عضويتهم بالتنظيم. أي أنه كان عليهم إستنكار و رفض جريمة إرتكبت قبل عشرون عاما، سواء شاركوا فيها أم لا.

أتمني ألا تتضمن لائحة التنظيمات التي ستأتي بعد عشرين عاما بندا يقول: (إستنكار جريمة المشاركة في معركة البرادعي). الأمنية هنا ليست نابعة من عدم الرغبة في وجود التنظيمات بالطبع، بل هي أمنية ألا تتحول معركة البرادعي لكارثة جديدة تقضي علي كل المتبقي.

باسل رمسيس

No hay comentarios: