martes, 9 de agosto de 2011

مقاطعة اليوم السابع - ١٧ فبراير ٢٠١١

مقاطعة اليوم السابع - ١٧ فبراير ٢٠١١

أوائل يناير الماضي، و عبر أحد الأصدقاء، تم الترحيب بي لكتابة مقالات لموقع اليوم السابع. نشر أحد المقالات. بعدها، و بحجة تطور أحداث تونس لم ينشر المقال الثاني. و هو المعنون ب (قرار إغتيال سيد بلال) و مرسل للموقع بتاريخ ١٢ يناير الماضي. الموقع قام بنشر أحد المقالات الأخري الخاصة بتونس و مصر أول أيام ثورة ٢٥ يناير، برغم عدم مواكبته للأحداث. فكرت بعد هذه التفصيلة في مقاطعة هذا الموقع لموقفه غير الواضح – بالذات موقف رئيس تحريره - من ثورة الشعب المصري، و خصوصا علي مستوي الأخبار التي يقوم بنشرها و نوعها. بعض الأصدقاء إعترضوا علي رغبتي هذه بحجة ضرورة وجود أصوات أخري داخل الموقع. فأرسلت مقال آخر بعنوان (إحراق الخطوط الحمراء) يوم ٧ فبراير. قيل لي بأنه سينشر بالتأكيد يوم ٩ فبراير. و هو ما لم يتم. من تفاصيل كثيرة أعتقد بأن هذا كان مقصودا، و خصوصا لمضمون المقالين و لتواريخ كتابتهما. الأصدقاء الأعزاء، مرفق المقالين، و أؤكد أنني لن أتعامل مرة أخري مع هذا الموقع لحين تغيير سياسته و قيادته، بما تثيره من الكثير من الشبهات.

باسل رمسيس

قرار إغتيال سيد بلال

هل تتذكرون عبد الحارث مدني؟ أنه محامي إسلامي تم تعذيبه و قتله ربيع ١٩٩٤. و شارك الكثيرون في حركة الاحتجاج الواسعة ضد تعذيبه و قتله، وتم اعتقال أعداد منهم. كان المحتجون من تيارات و معتقدات مختلفة و متناقضة، و من بينهم البعض ممن تشير بطاقاتهم الشخصية إلي أنهم مسيحيون. وقتها لم يعن لأحد الحديث عن هذا التنوع في حركة الاحتجاج، التي كانت بديهية و مبدئية.

لكننا الآن لسنا في التسعينات، و "سيد بلال" الذي أعتقد بأنه لم يمت علي سبيل الخطأ، لن يكون "عبد الحارث مدني"، ومثلما أشار بعض الكتاب، لن "تسح عليه دموع الوطن"، مثلما "سحت" علي ضحايا سيدي بشر (و كأن المطلوب في المولد المقام حاليا هو "سح الدموع"). و لن تتحول حالته كذلك إلي حالة "خالد سعيد". فشواهد كثيرة تشير إلي أنه تم اتخاذ قرار "بارد" من قبل إحدى الجهات بقتل أحد السلفيين بالإسكندرية، و بأن ينتشر الخبر، و يصاحب انتشاره هذا الإحساس بأنه لم يكن خطأ.

و ليسمح لي القارئ بأن أعبر عن إعجابي بأداء الجهاز الأمني و السياسي للدولة، علي مستوي التخطيط و التنفيذ، و لنتأمل هذه التفاصيل سويا:

بعد أقل من ٢٤ ساعة من التفجير، يعلن رئيس الدولة بأن الأمن مسئوليته الأولي، و يتم الحديث عن انتحاري، و هو ما يمكن أن يعني بأننا لن نعرف من هو الجاني المباشر في هذه الجريمة!! فهل تتوقف المسئولية عند مستوي التكهنات؟

في نفس اليوم – الأول من يناير - يقدم "محمود سعد" برنامجه المسائي، مباشرا، من أمام الكنيسة التي تم استهدافها. من شارع تم تنظيفه. لن أتحدث هنا عن غياب اللياقة، و الاستفزاز البالغ الذي يحمله هذا البث المباشر، و عن هذا "الأنتريه" الأبيض الفاخر و ملابس و كرافتات المدعوين الفاخرة. و لكن، أليس "مسرح الجريمة" هو مكان عمل المتخصصين في المعمل الجنائي؟ في لبنان الذي من الممكن أن ندعوه أدبا، بالدولة الصغيرة، تم إغلاق مكان إغتيال رفيق الحريري (سان جورج) أكثر من عام كامل!!

بعدها بعشرة أيام ينتشر خبر سيد بلال، و كذلك خبر اكتشاف أشلاء فوق سطح المسجد. الدولة الأمنية مرة أخري تدهشنا، و تجعلنا نتعجب كيف لم يفكر أي من مسئوليها بمعاينة مكان يبعد أمتار قليلة عن مكان الانفجار!!

أعتقد بأنها الفوضي الخلاقة، و بالذات ما يخص "سيد بلال"، كرسالة من السلطة للجميع، و مضمونها (المولد لازم ينفض).

رسالة لرئاسة الكنيسة بأن الدولة لن تقدم لها صورة للجاني، و بأن عليها العمل علي عودة رعاياها "للحظيرة" الكنسية، فقد تم تقديم ضحية موازية، و بأن هذه الكنيسة لن تنال مطالبها الصغيرة التي تود كسبها في خضم المولد.

رسالة إلي القطاع المسلم من المجتمع، بأن عليه الغضب بعض الشئ لاغتيال سيد بلال، علي صفحات الجرائد و "الفيس بووك"، فهو توازن مطلوب و ضروري مع الحركة الاحتجاجية للأقباط و المتعاطفين معهم.

و الأهم أنه رسالة لـ "قادة الرأي" من أجل حشد الماكينة الإعلامية. و لنراجع خطاب الكثير من الكتاب و الإعلاميين، الذين قاموا بتغيير الاتجاه سريعا، من خطاب طائفي يتحدث عن إعطاء بعض المزايا و الحقوق للمسيحيين، دون الخروج من مأزق (الأنا و الآخر)، ليتحول إلي خطاب طائفي أكثر فجاجة، يستخدم مصطلحات من قبيل: الفرنجة، الغرب الصليبي، مصر بلد مسلم "غصبن عنكم"، ضرورة "سح" الدموع علي سيد بلال و شهداء المسيحيين و شهداء مركب المنيا، إلخ.

الموالد كالزلازل، لها توابع تنهي الزلزال نفسه. و مولد الوحدة الوطنية بدأ في الانفضاض حين قررت السلطة أن ينفض. و هذا سبب إعجابي بأدائها، فهي تعلم جيدا خطورة خروج المسيحيين من الكنيسة و اندماجهم بالحركة الديمقراطية و الوطنية من أجل مجتمع عادل، ديمقراطي و علماني، يضمن حقوق كل مواطنيه بمختلف معتقداتهم، و يسمح لهم بتغيير حياتهم خارج حظائرهم الدينية المغلقة.

إحراق الخطوط الحمراء

يحلو للبعض، و بوعي، تسمية انتفاضة الشعب المصري "بالأزمة". ناكرين عنها صفة الانتفاضة أو الثورة الشعبية مثلما يسميها آخرون.

إن كانت تسمياتنا نحن لما يحدث بانتفاضة أو بثورة منطلقها أحيانا الوعي أو الاِنفعال، إلا أن مصطلح "الأزمة" تتم محاولة فرضه بوعي كامل و لأسباب سياسية. يفرض بالمنطق المصري الشعبي: (أزمة و هتعدي). علي اعتبار أن الأزمات يتم حلها بالحوار. المنطق الشعبي ذاته يفترض أنه لحل أزمة بين طرفين ينبغي عليهما ألا يتجاوزا الخطوط الحمراء، المستقرة بينهما. حتي يكون هناك دائما مساحة للتراجع، للحوار، و "التصالح".

بعد أسبوع من الإقامة الدائمة في ميدان التحرير، إقامة تعني المشاركة في الانتفاضة وليس "الفرجة" عليها، في هذا الميدان و الذي يعد فقط رمزا للانتفاضة/للثورة المصرية، و رمزا لشرعية جديدة، أجد أن مشاهداتي و مشاركتي تحسم بالنفي، و بشكل حاسم احتمالية أن تكون أزمة.

فكلا الطرفان، النظام و الانتفاضة الشعبية قد تجاوزا الكثير من الخطوط الحمراء. النظام تجاوز و أحرق الكثير من الخطوط الحمراء قبل ٢٥ يناير، علي سبيل المثال فقط، ما نشر قبل ساعات من كتابة هذا النص، حول تورط الداخلية ووزيرها في حادثة كنيسة القديسين.

أما عن الخطوط الحمراء التي تم تجاوزها بعد ٢٥ يناير من قبل النظام، فمنها استخدام القمع و العنف في أعلي مستوياته ضد المتظاهرين، إطلاق الرصاص و قنص الشباب في عدة مناطق و من بينها "معركة" وزارة الداخلية الشهيرة، استخدام البلطجة ضد جموع المعتصمين بميدان التحرير خلال محاولات اقتحامه،اختطاف النشطاء و إرهابهم، التلاعب الحالي بالدستور من قبل بقايا نظام مبارك، عمل التغيرات السريعة - التيك أواي - في بعض المناصب سواء في الدولة أو حزبها. و بالطبع لا يجوز تجاهل نزول الجيش للشوارع، حظر التجول، اغتيال السجناء السياسيين، إطلاق الجنائيين و استخدامهم بالتعاون مع عناصر الأمن في إرهاب المواطنين في بيوتهم، وسياسة العقاب الجماعي التي تمثلت بشكل أساسي في التجويع.

هذا عن بعض الخطوط الحمراء التي حرقها و تجاوزها النظام في معركته لإجهاض الانتفاضة. ماذا عن الخطوط الحمراء التي تجاوزها المشاركون في ثورة يناير؟ أعتقد أن جزءا هاما منها كانت للرد علي إجراءات النظام. تمثلت في إجهاض الشحن الطائفي بشكل كامل، و لنتأمل كيف شارك المسيحيون و المسلمون في ااإنتفاضة، و تجاهلهم شبه الكامل للفتاوي المؤيدة لمبارك و نظامه، سواء كان مصدرها الأزهر، دار الإفتاء أو البابا شنودة. لأول مرة نري في وسط العاصمة المواطنين، الذين لم نتصور أن لهم علاقة بالسياسة من قبل، يقولون لك بكل بساطة أن هذه السلطات الدينية لا تمثلهم و إن هذه القيادات الدينية مجرد موظفين لدي النظام.

خطوطنا الحمراء المحروقة كانت كتابة شعارات إسقاط النظام علي دبابات النظام نفسه، إحراق أقسام الشرطة التي كانت متخصصة في إهانة و تعذيب المواطنين قبل ٢٥ يناير، احتلال ميدان التحرير و الشوارع المحيطة به في وسط المدينة من قبل المنتفضين و تحويله لما يشبه المنطقة المحررة، عمل المتاريس و استخدام المولوتوف للرد علي مولوتوف و رصاص النظام، التنظيم الداخلي الحر لاعتصام التحرير. إلا أن أخطر الخطوط الحمراء التي فرضها النظام من قبل و تم إحراقها في شوارع مصر، كانت التوافق التام، و التعاون بين جميع القوي السياسية الفاعلة (لا أقصد هنا الأحزاب الشرعية طبعا) علي هدف واحد دون أي تشتت، و هو إسقاط النظام.

دون نسيان التعايش الغني بين أنماط حياة متعددة و مختلفة، و تبدو كأنها متناقضة. و التحام كل هؤلاء بالجسم الفاعل و النشط للانتفاضة، و هو شباب المناطق الفقيرة. ورفض الجميع للنظام بكامله و لدستوره، باعتباره لا يعبر عنهم.

هذه هي فقط بعض الخطوط الحمراء، التي حين نتجاوزها أو نحرقها فإنه ليست هناك رجعة للوراء. علي أحد طرفي الصراع تحقيق انتصار واضح و حاسم علي الطرف الآخر. إن لم يحدث هذا الانتصار فإن أزمات كثيرة و جديدة سوف ترحل للمستقبل، مسببة معضلة إجتماعية غير قابلة للحل.

أعتقد بأن الطرف المؤهل للانتصار هو الانتفاضة. شبابها و شيوخها و معهم كل أطياف المجتمع المصري. الانتصار هنا ضروري مجتمعيا و هو الاختيار المنطقي و الوحيد. و لأقدم اعتذاري هنا لجميع (الحكماء) المتجاهلين للخطوط الحمراء المحروقة و دلالاتها.

No hay comentarios: