martes, 9 de agosto de 2011

مصر وتونس‏..‏ قوة الاستعراض وخطورة النموذج - الأهرام المسائي - ١٢ يوليو ٢٠١١

مصر وتونس‏..‏ قوة الاستعراض وخطورة النموذج
بقلم‏:‏باسل رمسيس

224
عدد القراءات

ربما لا يعرف القارئ بأن المحتجين الإسبان‏,‏ الغاضبين عند احتلالهم ميدان بوابة الشمس‏,‏ الميدان الرئيسي للعاصمة الإسبانية‏,‏ الذي تحول إلي مركز الحركة ورمزها‏,‏ كانت أولي خطواتهم نصب العلم المصري في مركزه‏!‏

لم يتوقف الاستلهام عند المستوي الرمزي‏,‏ بل امتد للنقاشات الواسعة حول كيفية الاستفادة بالخبرة المصرية
ربما تكون الثورة المصرية من أكثر الأحداث السياسية‏,‏ غير الأوروبية‏,‏ التي حظيت بالمتابعة والاهتمام من جانب المواطنين الأوروبيين‏,‏ خلال العشر سنوات الأخيرة علي الأقل بالطبع ليس أكثر من حرب العراق فهذه الحرب كان لابد لها أن تحظي بهذا الاهتمام بسبب مشاركة أطراف أوروبية في العدوان علي العراق وبكل ما تحمله من معان وأهمية علي المستوي الدولي في الحالة المصرية‏,‏ احتلت ثورة يناير العناوين الرئيسية للجرائد الكبري والخبر الأول في اغلب نشرات الأخبار‏,‏ طوال الثمانية عشر يوما الأولي من الثورة‏,‏ وحتي اليوم التالي لسفر الرئيس المخلوع إلي شرم الشيخ‏.‏
كان مصطلح الثورة أو الانتفاضة الشعبية هو ما يطلق علي ما يحدث في مصر في وسائل الاعلام الأوروبية في اختلاف واضح عما حدث قبلها مباشرة في تونس‏,‏ حيث تم استخدام تعبير الأحداث التونسية غالبا ولم يستخدم مصطلح الثورة التونسية إلا فيما بعد إسقاط بن علي وظل هذا الاستخدام لمصطلح الثورة علي نطاق ضيق‏.‏
الاهتمام الأوروبي الاستثنائي بثورة يناير كان منطقيا لأسباب كثيرة من الممكن تلخيصها في اهمية مصر علي مستويات عدة بالنسبة للمواطن الأوروبي‏,‏ وأيضا لدي صناع القرار وأصحاب المصالح الاقتصادية في المنطقة إلا أن أحد اسباب هذا الاهتمام الاستثنائي يكمن ايضا في قوة الاستعراض الشو المصري مئات الآلاف من المواطنين‏,‏ من مختلف الأعمار‏,‏ التوجهات‏,‏ المعتقدات‏,‏ الطبقات الاجتماعية‏,‏ ومن الحنسين يتقاسمون نفس الميادين العامة بشكل متواصل ودون انفطاع‏,‏ لا تحدث بينهم احتكاكات‏,‏ يستخدمون السخرية كأحد اسلحة المواجهة‏,‏ ويديرهم عقلا جمعيا ما غير مرئي وديمقراطي ويفتح الباب امام كل المبادرات هذه العناصر لم تتوافر بهذه الدرجة في النموذج التونسي‏.‏
إلا آنه وعند اللحظة التي تبدأ فيها رياح الثورة في الوصول إلي مناطق أخري‏,‏ كالبحرين‏,‏ ليبيا‏,‏ اليمن‏,‏ سوريا‏,‏ يبدأ هنا التحول لتتغير المسميات وتبدأ ايضا عملية تغيير الأفضلية الشعبية الأوروبية في التعامل مع النموذجين التونسي والمصري‏.‏
علي مستوي التسميات فإن كل الانتفاضات أو بدايات الثورات العربية التالية للثورة المصرية‏,‏ لا تحظي بمسمي الثورات تحتل مساحات أقل علي المستوي الإعلامي‏,‏ يتم تهميشها تحت مسميات من قبل‏:(‏ الأحداث‏,‏ المواجهات‏,‏ النزاعات‏,‏ الاضطرابات‏,‏ الخ‏)‏ وهو ما يخلق لدي المتلقي الأوروبي‏,‏ تدريجيا‏,‏ وعيا بقلة الأهمية‏,‏ وإن ما يحدث هو مجرد نزاعات ما بين اطراف ما‏,‏ علي مصالح متفاوتة هذه الحالة تسمح للحكومات الأوروبية بالعمل الهادئ للاجهاض أو للتدخل تبعا للحالة المحددة‏,‏ بعيدا عن أعين شعوبها ورقابتها وفرضها لمواقف محددة مثلما حدث في الحالة المصرية‏,‏ علي سبيل المثال‏,‏ حين استطاع الشارع الأوروبي فرض موقف واضح داعم للثورة وضرورة التخلي عن مبارك‏.‏
هذا فيما يخص المسميات‏,‏ ماذا عن الأفضلية ما بين النموذجين التونسي والمصري؟ يعرف المواطن الأوروبي عن تونس‏,‏ غالبا‏,‏ أقل كثيرا مما يعرفه عن مصر وهو ما انعكس علي حظ الثورتين من زاوية الاهتمام العام أحد العوامل الأساسية هنا‏,‏ مثلما اشرت من قبل‏,‏ هو قوة الشو لكن النموذج المصري في جوهره خطر علي صناع القرار والسياسيين من الأحزاب الكبري الحاكمة فهو نموذج ثوري جديد‏,‏ إن اكتمل بحق يفتح طرقا جديدة للتغيير‏,‏ عبر العصيان والاعتصام الجماهيري المستمر والأهم انه نموذج لا يتوقف عند المطالب الديمقراطية العامة لذلك فهو خطر بشكل كامل إن تم استكماله واستلهامه من شعوب أخري أما النموذج التونسي‏,‏ فهو قابل للتحكم والتعامل معه بدرجات اكبر برغم إدراكي الشخصي أن الثورة التونسية قد حققت‏,‏ حتي هذه اللحظة إنجازات ديمقراطية أكثر وأهم من مثيلتها المصرية من هنا‏,‏ من منطق خطوة النموذج‏,‏ يمكننا فهم محاولة وسائل الإعلام الأوروبية الكبري‏,‏ المرتبطة بدوائر السياسة والمال‏,‏ تسويق النموذج التونسي‏,‏ تحت أي مبرر كان‏,‏ علي حساب النموذج المصري‏,‏ وذلك بعد خلع مبارك واحيانا تكون المبررات مثيرة للاستغراب‏,‏ مثلما قيل عن ان مشاركة النساء في الثورة التونسية‏,‏ كانت اكثر وضوحا من الحالة المصرية‏.‏
هذا علي المستوي الرسمي‏,‏ ماذا عن المستوي الشعبي؟ ماذا عن حركات الاحتجاج الجديدة في إسبانيا واليونان؟
استلهمت حركة الاحتجاجات الإسبانية الجديدة‏,‏المسماة بحركة ديمقراطية حقيقية الآن النموذج المصري بوضوح لوعي المشاركين بهذه الحركة‏,‏ بأنه المناسب لإحداث تغيير حقيقي‏,‏ برغم اختلاف الظروف والأنظمة وقوة الحركة ذاتها في البلدين ربما لا يعرف القارئ بأن المحتجين الإسبان‏,‏ الغاضبين عند احتلالهم ميدان بوابة الشمس‏,‏ الميدان الرئيسي للعاصمة الإسبانية‏,‏ الذي تحول إلي مركز الحركة ورمزها‏,‏ كانت أولي خطواتهم نصب العلم المصري في مركزه‏!‏ لم يتوقف الاستلهام عند المستوي الرمزي‏,‏ بل امتد للنقاشات الواسعة حول كيفية الاستفادة بالخبرة المصرية‏,‏ وامتد لخبرة التنظيم الداخلي للاعتصام واستمراريته كان من الكافي مجرد جولة قصيرة باعتصام بوابة الشمس‏,‏ لتتأكد من ان هؤلاء الشباب الغاضبين‏,‏ قد تابعوا ثورتك المصرية باهتمام وجدية بالغة‏.‏
اعتقد ان هذه الاستعارات الرمزية ـ رفع العلم المصري وتسمية جزء من ميدان بوابة الشمس بمنطقة التحرير ـ غاب عن التجربة اليونانية لكن لم يغب عن الوعي الشعبي اليوناني‏,‏ ضرورة التشبث بالموجة الثورية التي تجتاح جنوب المتوسط ووضوح أولوية حماية الحركة الاعتصام واستمراريتهما‏,‏ في مواجهة الدولة وجهاز امنها‏,‏ حين تتعرض هذه الحركة للهجوم‏,‏ مثلما حدث قبل أيام قليلة في أثينا‏.‏
اندلعت شرارة في مدينة تونسية صغيرة‏,‏ التقت مع شرارة أخري في البلد الذي قتل به خالد سعيد‏,‏ لتكبر ولتسقط رأس أقوي أنظمة المنطقة‏,‏ لتتجول هذه الشرارة‏,‏ حرة في بلدان أخري‏,‏ تتجاوز مياه المتوسط شمالا‏,‏ دون أن تطفئها أو تبردها مياه البحر ويبدو أنها مستمرة في التجوال‏,‏ باحثة عن انتصار جديد فهل تمنحنا سوريا هذا الانتصار‏..‏ النموذج الجديد؟
مخرج سينمائي مصري شاب
مقيم في إسبانيا يقوم بالتدريس في إسبانيا وكوبا

No hay comentarios: