صيد المهاجرين و الخنازير البرية - ١
أعترف "لعزيزي" القارئ بإنني أفضل و أرقي منه، و بما إن لدي هذا الإحساس بالتفوق علي القارئ، فإنني لا أعترض إذا قام مراجعي جريدة البديل بحذف كلمة "عزيزي" التي كتبتها سهوا.
هذا الإحساس بالتفوق منبعه هو إنني أحمل جواز سفر أوروبي، و أغلب قراء هذا المقال لهم فقط جواز السفر الأخضر المسكين لبلد عربي و من العالم الثالث، ليس لديهم حتي جواز سفر إسرائيلي (و هو وثيقة أوروبية أيضا). الشعور بالتفوق ليس منبعه فقط الأمان، الإحترام، و القدرة علي الحركة التي تمنحها لي الوثيقة الأوروبية، حتي خلال تواجدي في وطني مصر، أو في بلدان عربية أخري، متذكرا دائما أغنية: بلاد العرب أوطاني، ما دمت من الشمال الغني.
بعد هذه البداية الصادمة فلنتذكر ما قاله أمل دنقل: من يملك العملة يمسك بالوجهين، و الفقراء بين بين. بقية الحقيقة (المطلقة) هي أن الإحساس بالأفضلية ينبع من إننا – نحن الأوروبيين – نمتلك القيم، المنطق، الديمقراطية، المساواة، النزاهة، التقدم، الحضارة.. إلخ، و هو ما يعني إننا أفضل من الأخرين، حتي فضائحنا فإنها أخطاء فردية و فقط، لا تعبر عن حالة عامة. إنما أخطاء الأخرين، و بالذات من أجناس أخري فإنها فضائح تعبر عن مجتمعات كاملة.
و لن أكتب الأن عن مشكلة لون بشرتي السمراء التي تتناقض مع جواز سفري الأوروبي الأحمر، و لأتمسك بتفوقي الحالي و المزيف تجاه القارئ، و لنتأمل بعض المفارقات:
في نفس الحقبة التي ُتحشد خلالها و حسب الحدث، قوي إجتماعية، مؤسسات حكومية إسبانية، و الملايين من اليوروهات، لتعليم هذا العالم الثالث قيم الديمقراطية و حقوق الإنسان، تنفجر الفضيحة، يتم تطويقها بدقة و دون صخب، وزير الداخلية الإسباني، الذي هو أحد أقوي شخصيتين بالحزب الإشتراكي الحاكم، و يقال عنه أنه الحاكم الفعلي في الظل، يقوم مكتبه بتعميم توجيه سري إلي كل أقسام الشرطة بضرورة الإلتزام (بمخصصات إسبوعية) من المهاجرين غير الشرعيين!! القبض المنظم علي أعداد محددة و بنسب محددة منهم إسبوعيا، حتي يتم طردهم تدريجيا خارج الحدود الإسبانية. و بالتالي عبر عمليات الصيد المنظمة للشرطة يتم تنظيف المجتمع الإسباني.
حضرة الظابط عليه أن يغادر مكتبه لصيد عدد معين من المهاجرين، بغض النظر عما إذا كانوا قد إرتكبوا مخالفة أو جريمة. جريمتهم الأساسية إنهم من ضمن الألاف الذين يخاطرون سنويا بحياتهم في قوارب الموت الشهيرة لضمان بعض الخبز لعائلاتهم البعيدة، الجوعي بعد قرون من الإستغلال الأوروبي الراقي لمجتمعاتهم.
هل يذكر هذا القارئ بما تمارسه الشرطة المصرية من تلفيق القضايا للأبرياء، فقط من أجل تقفيل ملفاتها؟
حين يتحدث التعميم عن نسب محددة فهو يشير إلي أن الأولوية هي لصيد المغاربة. و هنا علي أن أتبرأ من الجالية المغربية و ممثليها، لأنهم ناكرين للجميل، فلم يوجهوا الشكر للدولة التي قررت لأول مرة إعطاءهم الأولوية في شئ، حتي و لو كان الطرد.
رغم معركة الإنتخابات المحلية المشتعلة بين الحزبين الرئيسيين: الإشتراكي (الوسط) و الشعبي (اليمين) يتم تحجيم الفضيحة، و عدم إستغلالها في معركة تستخدم فيها جميع الأسلحة. و لنكتفي بتصريح مقتضب لوزير الداخلية ينكر خلاله الوثيقة الرسمية، فلم يطالبه أحد بالإستقالة أو حتي الإعتذار.
الذي إستقال كان وزير العدل، الذي يذهب لصيد الخنازير البرية دون تصريح و في مناطق ليس له الحق بالصيد بها، و بصحبة قيادات من وزارة الداخلية و أحد أكثر القضاة شهرة علي المستوي العالمي (غارثون المرشح لجائزة نوبل) عشية إفتتاحهم معا لملفات الفضائح المالية و قضايا الفساد التي تمس الحزب المنافس.
كل هذا لن يمنعني بإعتباري أوروبي راق، من التعامل بجدية مع خطاباتهم التي تتحدث عن القيم الأوروبية في إحترام حقوق الإنسان.... و الخنازير.
صيد المهاجرين و الخنازير البرية – ٢
في المقال السابق إقتربت من مشهدين لهم علاقة بالإحساس بالتفوق و الأفضلية في حالة أن تكون أوروبيا. فجواز السفر الأوروبي يمنحك غالبا، و في مناطق كثيرة من العالم هذا الإحساس بالأمان و حرية الحركة و السلوك. و في المنطقة العربية ربما يكون الإستثناء هو بعض بلدان الخليج، فالنفط أكثر تفوقا و قدرة من هذه الوثيقة الحمراء الأوروبية. و هو ما يؤكد مرة أخري جملة أمل دنقل: من يملك العملة يمسك بالوجهين، و الفقراء بين بين.
و لنتابع مشهد أخر للأفضلية: خلال عشرة سنوات بإسبانيا لم أسمع مرة واحدة أحد مسئولي الحزبين الذين يتبادلان السلطة، يوجه النقد - لو الناعم لنظام مبارك - رغم إنتهاكه لكل حقوق الإنسان المتعارف عليها. رغم إننا لسنا من مالكي النفط، إلا أن موقع مصر الفريد و ثقلها - المشكوك به حاليا - في الشرق الأوسط، يحمي نظامها و ليس شعبها، و ربما يتم توجيه النقد أكثر لعادات شعبها المقهور.
إلا أن نصيب حاكم فينزويلا الجنرال شافيز مختلف، فلأسباب إقتصادية و سياسية يختلف الموقف الأوروبي تجاهه. إيجابا و سلبا حسب المناسبة، و لكن دون التخلي أبدا عن هذا الإحساس بالتفوق و الأفضلية تجاه نظامه، و ربما تجاه شعبه.
ليس دفاعا مني عن شافيز، فمن الصعوبة أن أجد نفسي متحمسا لأي من خطواته الهيستيرية الشعبوية. و لكن لنتأمل الموقف التالي: قبل أيام و خلال الإستفتاء الأخير الذي نظمه شافيز حول (حقه) في التقدم للإنتخابات الرئاسية، و الحكم دون سقف زمني، و هو ما يعني مدي الحياة، الهزيمة، الإعتقال أو القتل من قبل عسكري أخر، دعت المعارضة اليمينية بعض البرلمانيين الأوروبيين لمراقبة الإستفتاء، بالطبع من المنتمين إلي أحزاب اليمين الأوروبي. أحدهم و أسمه (لويس إيريرو)، عضو مغمور في البرلمان الأوروبي عن الحزب الشعبي الإسباني.
يبدوا أنه يمتاز بذكاء حاد، يفترض فيه إنه حيادي حتي يكتشف إن الإستفتاء الذي يأتي لمراقبته مزيف، إلا أن أول تصريحاته عند وصوله لفنزويلا كانت وصفه لشافيز بالديكتاتور الذي سيزيف نتائج الإستفتاء، و ذلك قبل إجراءه أصلا. و لتبدأ الفضيحة عند هذه اللحظة، حالة تعبئة كاملة في الإعلام الإسباني للتضامن معه، و حقه في الشتيمة، و عدم الحيادية، وذلك بعد أن قام شافيز بطرده.
و في إسبانيا يتحول لضحية و بطل. غرفة العمليات الخاصة بوزارة الخارجية لم تتوقف عن العمل طوال يومين حتي وصوله للأراضي الإسبانية. و في المطار يعبر البطل عن قلقه علي زملاءه الذين لم يتم طردهم. أجهزة الإعلام منحته مساحة توهجه كبطل، و كأنه عائد من بلد يذبح فيه الديمقراطيين الأوروبيين في الشوارع!!!! دون طرح تساؤل بسيط حول ما كان سيحدث إذا أتي أحد سياسيي العالم الثالث للأراضي الإسبانية، ليصرح بما تعتبره الحكومة الإسبانية مجرد غير لائق؟
للحصول علي إجابة السؤال، أرجوا من القارئ العودة إلي (دليل التفوق الحضاري الأوروبي) و إذا كان الدليل مكتوب باللغة الأوروبية التي لا يفهمها طبعا القراء، فعليهم الإكتفاء بما تشير إليه الصحافة الإسبانية بين الحين و الأخر، و هو صحيح، بأن مستشاري شافيز و مخططي سياساته هم من الأكاديميين الإسبان المنتمين لليسار. و هو طبيعي، فيسار العالم الثالث مثله مثل مجتمعاته، ليس لديه أية مؤهلات!!!!
هل تفهم القارئ إحساسي بالتعالي عليه بسبب جواز السفر الذي أحمله؟ إلا أنني حتي اللحظة لا أعي الفرق ما بين صيد المهاجرين الفقراء، و صيد الخنازير البرية.
باسل رمسيس
No hay comentarios:
Publicar un comentario