domingo, 1 de marzo de 2009

المسيح المخلص و مجزرة/مسخرة غزة ٢

المسيح المخلص و مجزرة/مسخرة غزة ٢

هي مسخرة، نعم فنحن إزاء مجزرة يدور حولها عدد من المهرجين الراقصين لتشجيعها، و ربما تكون أحد أكثر مجازرنا مسخرة، لتفتح الباب لما يأتي بعدها من هزائم/ نكسات/ نكبات إذا لم نستطع البحث الجدي في السؤال الملح: ما العمل لتغيير واقعنا كاملا و بشكل جذري، و ليس فقط إنتظار مجئ مسيحنا المخلص، هذا (الفرد) الذي نتصور إنه سوف يمحي هزائمنا جميعا، و ينتشلنا من ضعفنا البالغ، هذا الضعف الذي هو السبب في إنتظاره أصلا. فهذا المسيح لم و لن يأتي، و إن ظهر أحد تشبيهاته أو توهيماته، فأنه غالبا ما تركنا خائبين بعد أن قام ببعض التصريحات الغاضبة، و بعض الخطوات التي لا تمس وضعنا و أهمية تغييره بجذرية، فمصالحه غالبا تتناقض مع مصالح شعوبنا و مصالح المذبوحين في غزة.
هذا المسيح المخلص، ذو الدم القريب أو حتي البعيد، يتلبس أشكالا عديدة، و يتكلم بلغات و لهجات تتغير حسب الظرف. و حتي يتم تجنب الإتهام بالسخرية من الجميع فلأبدأ بالسخرية من ذاتي، رجوعا إلي ١٨ عاما للوراء حين كنا نهتف لأحد القتلة بالتظاهرات قائلين: أضرب إضرب تل أبيب يا صدام يا حبيب.
بناءا علي بعض وسائل الإعلام العربية فإن اليهود الذيين يتضامنون معنا و المعادين للصهيونيه فهم (فلان الفلاني من أصل يهودي) وهو ما ينفي وجود يهود معادين للصهيونية، و يفجر الضحك و بعده البكاء، من ضمنها جهاز تعبئتنا المسمي قناة الجزيرة، و التي يبدوا أن العالم بالنسبة إليها عبارة عن مجموعة من الأشخاص المنتمين إلي أديان مختلفة و ليس أي شئ أخر. برغم بعض التجميل التي أضافته لخطابها خلال الأيام الأخيرة، و أحيانا فقط، مستخدمة مصطلح المقاومة الفلسطينية، و ليس المسلمون أو المقاومة الإسلامية كما إعتادت.
و كأن علينا أن نصدق مرة أخري، بعد ألاف المرات، إن النضال الفاعل و الناجح ضد إسرائيل، و هي الكيان العنصري و القائم علي أسس دينية، من الممكن أن يكون علي أرضية دينية أيضا. فهل علي أن أختار بين عنصرية صاحب الدم القريب وعنصرية و صهيونية صاحب الدم البعيد؟
و بما إننا بدأنا الحديث عن فلان الفلاني من (أصل يهودي)، فقد سأل السينمائي اليهودي و ليس الصهيوني وودي آلان قبل سنوات عن سبب رفضه لإنتخاب جورج بوش كرئيس في حين أنه مهرج و وودي آلان يحب المهرجين، فكان رده نعم أحب المهرجين، و لكنني لا أحب المهرجين القادرين علي القتل. فالنكتة تفجر الضحك، و هو ما يجعنا قادرين علي الحياة، و لكن نكاتنا/مساخرنا تفجر الدم و الموت.
أحد الوجوه التي تصور بعضنا أنه أحد مخلصينا كان السيد ثاباتيرو رئيس الحكومة الإشتراكية الإسبانية، لمجرد أن أول قراراته كان خروج القوات من العراق، ليرسلها بعدها بسنتين إلي لبنان، لحماية شمال إسرائيل، تلفزيونه و حزبه في توافق تام. ففي يوم ٩ يناير الماضي و لأول مرة منذ بداية المجزرة، توقفت غزة عن كونها الخبر الأول في نشرة أخبار التلفزيون الرسمي الإسباني، رغم كونه يوم القرار الدولي المتعلق بها، و القاضي بإستسلام غزة لذابحيها مقابل توقف إسرائيل عن القتل العنيف، و بداية القتل المبرمج. في هذا اليوم إحتلت أول ٢٥ دقيقة من النشرة أخبار تساقط الثلوج في إسبانيا، بالرغم من أن هذا الطقس لم يكن له ضحايا سوي بعض العجائز الذين فقدوا توازنهم أثناء مشيهم بشارع لا تتساقط فوقه القنابل الفسفورية، و أصيبوا فقط ببعض الخدوش، و بعدها وخلال ٥ دقائق جاءت غزة إلينا، كان ملخصهم أن المنظمة (الإرهابية) حماس و دولة (إسرائيل) قد رفضا القرار الدولي.
نفس هذا اليوم يتجاوب الحزب الإشتراكي الحاكم مع الدعوة للتظاهر يوم ١١ يناير في مدريد و التي نظمها بالفعل إتحاد اليسار (الشيوعيين) حتي لا تغيبه الموجة، و التي ضمت أكثر من ٢٥٠ ألف مواطن، وكان شعارها الأساسي هو وقف الحرب ضد سكان غزة و إنهاء الحصار، بينما نفس الحكومة الإشتراكية مارست و أيدت الحصار بعد فوز حماس بالإنتخابات، و بررت بشكل ما الحرب الحالية.
قبلها بيومين يصرخ أحد الصحفيين الإسبان في الراديو الأكثر إستماعا متسائلا: لماذا نسمي حماس بالإرهابية؟ ألمجرد أن الأمريكيين وصفوها بذلك؟ إذا كانت حماس كذلك فإن قادة إسرائيل أيضا. هنا سأمتنع عن ذكر إسمه حتي لا نحوله لبطل قومي. و تكتمل مسخرة إعجابنا بتصريح داعم لنا و لكنه منتقص
بنفس هذا المنطق الباحث و المتعطش لبطل أو مسيح مخلص، يتحول رئيس دولة فينزويلا شافييز بقدرة قادر إلي محرر القدس الشريف، فأهمية خطوته (التي لا أنكرها) لا تنفي كونه مهرج أخر، منذ أعوام قال جملته الشهيرة (البترول لنا) وحتي الأن مازال فقراء فينزويلا يزدادون فقرا و أغنيائها يزدادون جشعا. و يبقي الفشل في تجاهل أوجه الشبه بينه و بين قائد الثورة العربية و العالمية معمر القذافي.
و لكن ماذا عن المنسحبين من القائمة القديمة؟ فقائمتنا و ذاكرتنا ربما تكون الوحيدة التي تجدد ذاتها، فذاكرتنا ضعيفة و تعمل ضد مصالحنا مثلها مثل الأنظمة. القائمة القديمة سقط منها سهوا طرفان، فالسيد أحمدي نجاد الذي إتخذ من هدف إنهاء إسرائيل هدفه الأساسي، إعلاميا، لم يتوقف عن الصخب و الخطاب العنصري تجاه كل ما هو ليس بمسلم، إلا إنه لم يجد المبرر الكافي بعد ليقوم بموقف عملي واحد، فقد مرت مذبحة لبنان ٢٠٠٦ و تستمر مذبحة غزة ٢٠٠٩، و قاموسنا العربي لم يصفه بالندالة بعد، برغم تخليه عن حلفاءه.
أما بطلنا الأخر المعروف بالسيد، فهو لم يكتفي بأن يترك في حلقنا الكثير من المرارة بسبب أخر تصريحاته خلال نهايات حرب ٢٠٠٦، فعاد ليتحفنا بدعوته للإنقلاب المسلح في مصر!! فهل علينا أن نغير الجنرال بجنرال أخر؟ لماذا لا يدعوا إلي إنتفاضة شعبية مثلا؟ الدهشة تربكني لأجد أن أوباما الصامت (بطل العرب السابق،) و معه الأمين العام للأمم المتحدة، الذي يحتفظ بالهدوء و الصمت الأسيوي، و لا يعترض علي قصف إسرائيل للمؤسسات التابعة له و قتل موظفيه، أرحم من كلام السيد نصر الله، فعلي الأقل هذا الأبيض أوباما، و هذا الموظف في نيويورك من أصحاب الدم البعيد جدا، أولهم سوف يقوم بقتلنا قريبا و الثاني سيقوم بتبرير هذا القتل.
و بما إن أغلبنا في إنتظار المسيح المخلص، و بما إن حق الإختلاف مشروع، يكتفي بعضنا بحق تأمل هذه المسخرة، التي تم إعدادها بركاكة بالغة مثل أغلب أفلام عادل إمام (الزعيم!!) الذي يبرر لسيده مشاركته في ذبح أهل غزه و حصارهم.
هل نستطيع أن نقول هنا و لتكتمل هذه الكوميديا سيئة الإعداد، أن الفلسطينيين بعد المجزرة سوف يعودون لمشاهدة أفلامه و ليس مقاطعتها؟ هل علينا أن نشعر بالحنين تجاه جدية قاتلة أخري هي جولدا مائير؟ و ذلك تجاه هزلية وزيرة الخارجية الحالية، و حولها يلتف الأراجوزات، الذين لمجرد ولادتهم بيننا لا نجرؤ علي وصفهم بالأعداء. أحدهم صاحب الدور الثانوي في المسخرة، بدأ لعب دوره قائلا: الريس قال روحوا جيبوللي الست دي هنا أكلمها، دوول ناويين يضربوا الفلسطينيين و ده ميصحش!!!
صانعي المسرح و السينما الكوميدية المبتذلة في بلادنا نجحوا علي الأقل في تعليم السياسيين، سواء الحاكمين في مصر أو الحاكمين في هذه المسخرة المسماة بالسلطة الوطنية الفلسطينية، مع حفظ المقام لباقي السادة الذاهبين للكويت أو الذاهبين للدوحة، الجاهلين بأصول الدراما فيقوموا بتغيير طبيعة أدوارهم بدون مبرر، فالنظام المصري و لأول مرة لا يتجاهل فقط ذبح أصحاب الدم القريب، و هو أداءه منذ عدة حقب، إلا أنه يشارك بهمة و نشاط في تبرير ذبح هذا الشعب، ويحاصره، و خلال أيام يصبح صاحب المبادرة التي (تحمي) الفلسطينيين!
إذا ما هو الفرق بين العدو صاحب الدم البعيد و العدو صاحب الدم القريب في المساخر العربية؟

باسل رمسيس

No hay comentarios: